الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح العقيدة الواسطية **
في موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أصول أهل السنة والجماعة (1)-سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) .............................................................. (1) أي أسس عقيدتهم. (2) قوله : " سلامة قلوبهم وألسنهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ": ولم يقل: وأفعالهم، لأن الأفعال متعذرة بعد موت الصحابة، حتي لو فرض أن أحداً نبش قبورهم وأخرج جثثهم، فإن ذلك لا يؤذيهم ولا يضرهم، لكن الذي يمكن أن يكون بعد موت الصحابة نحوهم هو ما يكون في القلب وما ينطق به اللسان. · فمن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سلامة القلب من البغض والغل والحقد والكراهة، وسلامة ألسنتهم من كل قول لا يليق بهم. فقلوبهم سالمة من ذلك، مملوءة بالحب والتقدير والتعظيم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بهم. · فهم يحبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويفضلونهم على جميع الخلق، لأن محبتهم من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من محبة الله، وألسنتهم أيضاً سالمة من السب والشتم واللعن والتفسيق والتكفير وما أشبه ذلك مما يأتي به أهل البدع، فإذا سلمت من هذا، ملئت من الثناء عليهم والترضي عنهم والترحم والاستغفار وغير ذلك. وذلك للأمور التالية: أولاً: أنهم خير القرون في جميع الأمم، كما صرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ثانياً: أنهم هو الواسطة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فمنهم تلقت الأمة عنه الشريعة. ثالثاً: ما كان على أيديهم من الفتوحات الواسعة العظيمة. رابعاً: أنهم نشروا الفضائل بين هذه الأمة من الصدق والنصح والأخلاق والآداب التي لا توجد عند غيرهم، ولا يعرف هذا من كان يقرأ عنهم من وراء جدر، بل لا يعرف هذا إلا من عاش في تاريخهم وعرف مناقبهم وفضائلهم وإيثارهم لله ولرسول صلى الله عليه وسلم. · فنحن نشهد الله عز وجل على محبة هؤلاء الصحابة، ونثني عليهم بألسنتنا بما يستحقون، ونبرأ من طريقين ضالين: طريق الروافض الذين يسبون الصحابة ويغلون في آل البيت، ومن طريق النواصب الذين يبغضون آل البيت، وتري أن لأل البيت إذا كانوا صحابة ثلاثة حقوقة: حق الصحابة، وحق الإيمان، وحق القرابة من رسول الله صلي الله عليه وسلم. · وقوله: " لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " : سبق أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من اجتمع به مؤمناً به ومات على ذلك، وسمي صاحباً، لأنه إذا اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، فقد التزم اتباعه، وهذا من خصائص صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما غير الرسول، فلا يكون الشخص صاحباً له حتي يلازمه ملازمة طويلة يستحق أن يكون بها صاحباً. كما وصفهم الله به في قوله تعالى : (1) * استدل المؤلف رحمه الله لموقف أهل السنة بقوله: " كما وصفهم الله به في قوله تعالى: · هذه الآية بعد آيتين سابقتين هما قوله تعالى: · ففي قوله : · ثم قال في الأنصار: · ثم قال تعالى بعد ذلك: · ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن قوم يسبون الصحابة، قالت: لا تعجبون ! هؤلاء قوم انقطعت أعمالهم بموتهم، فأحب الله أن يجري أجرهم بعد موتهم!! · وقوله: · (1) * " طاعة " : معطوف على قوله: " سلامة " ، أي : من أصول أهل السنة والجماعة: طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ. (2) * السب: هو القدح والعيب، فإن كان في غيبة الإنسان، فهو غيبة.
أصحابي(1) فو الذي نفسي بيده (2)لو أن أحدكم أنفق مثل أحد (3) ذهباً ما بلغ مد (4) أحدهم ولا نصيفه " (5) .................................... (1) * أي: الذين صحبوه، وصحبه النبي صلى الله عليه وسلم لا شك أنها تختلف: صحبه قديمة قبل الفتح، وصحبة متأخرة بعد الفتح. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يخاطب خالد بن الوليد حين يصل بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ما حصل ما المشاجرة في بني جذيمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد: ولا شك أن عبد الرحمن بن عوف وأمثاله أفضل من خالد بن الوليد رضي الله عنه من حيث سبقهم إلي الإسلام، لهذا قال: (لا تسبوا أصحابي)، يخاطب خالد بن الوليد وأمثاله. وإذا كان هذا بالنسبة لخالد بن الوليد وأمثاله، فما بالك بالنسبة لمن بعدهم. (2) * أقسم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الصادق البار بدون قسم : (3) * " أحد " : جبل عظيم كبير معروف في المدينة. (4) * المد: ربع الصاع. (5) * " ولا نصيفه " ، أي نصفه. قال بعضهم: م الطعام ، لأن الذي يقدر بالمد والنصيف هو الطعام، أما الذهب فيوزن، وقال بعضهم: من الذهب ، بقرينة السياق، لأنه قال: " لو أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" ، يعني : من الذهب. وعلي كل حال ، فإن قلنا : من الطعام، فمن الطعام، وإن قلنا: من الذهب، فليكن من الذهب، ونسبة المد أو نصف المد من الذهب إلي جيل أحد من الذهب لا شيء. · فالصحابة رضي الله عنهم إذا أنفق الإنسان مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، والإنفاق واحد، والمنفق واحد، والمنفق عليه واحد، وكلهم بشر، لكن لا يستوي البشر بعضهم مع بعض، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لهم من الفضائل والمناقب والإخلاص والاتباع ما ليس لغيرهم، فإخلاصهم العظيم، واتباعهم الشديد، كانوا أفضل من غيرهم فيما ينفقون. · وهذا النهي يقتضي التحريم، فلا يحل لأحد أن يسب الصحابة على العموم، ولا أن يسب واحداً منهم على الخصوص، فإن سبهم على العموم ، كان كافراً، بل لا شك في كفر من شك في كفره ، أما إن سبهم على سبيل الخصوص، فينظر في الباعث لذلك، فقد يسبهم من أجل أشياء خلقية أو دينية، ولكل واحد من ذلك حكمه. ***
ويقبلون (1) ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم(2).......... (1) أي: أهل السنة. (2) قوله : " ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائهم ومراتبهم": الفضائل: جمع فضيلة، وهو ما يفضل به المرء غيره ويعد منقبة له. · والمراتب: الدرجات، لأن الصحابة درجات ومراتب، كما سيذكرهم المؤلف رحمه الله. · فما جاء من فضائل الصحابة ومراتبهم، فإن أهل السنة والجماعة يقبلون ذلك: فمثلاً ما جاء عنهم من كثرة صلاة أو صدقة أو صيام أو حج أو جهاد أو غير ذلك من الفضائل. ويقبلون مثلاً ما جاء في أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله (3) ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة من أن أبا بكر رضي الله عنه كان وحده صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته في الغار. ويقبلون ما جاء به النص من قول الرسول عليه الصلاة والسلام في أبي بكر: وكذلك ما جاء في عمر وفي عثمان وفي على رضي الله عنهم وما جاء في غيرهم من الصحابة من الفضائل، يقبلون هذا كله. وكذلك المراتب، فيقبلون ما جاء في مراتبهم ، فالخلفاء الراشدين هم القمة في هذه الأمة في المرتبة، وأعلاهم مرتبة أبو بكر، ثم عمر ثم عثمان ثم علي، كما سيذكره المؤلف. (1) * دليل ذلك قول تعالى : فالذين أنفقوا وقاتلوا قبل صلح الحديبية أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي ا لقعدة، فالذين أسلموا قبل ذلك، وأنفقوا وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا. · فإذا قال قائل: كيف نعرف ذلك؟ فالجواب: أن ذلك يعرف بتاريخ إسلامهم، كأن نرجع إلي " الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر أو " الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر أو غير ذل ك من الكتب المؤلف في الصحابة رضي الله عنهم، ويعرف أ، هذا أسلم من قبل أو أسلم من بعد. · وقول المؤلف: " وهو صلح الحديبية " : - هذا أحد القولين في الآية، وهو الصحيح، ودليله قصة خالد مع عبد الرحمن بن عوف، وقول البراء بن عازب: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. (5) - وقيل: المراد فتح مكة، وهو قول كثير من المفسرين أو أكثرهم. (1) المهاجرون: هم الذين هاجروا إلي المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة. (2) الأنصار: هم الذين هاجر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. · وأهل السنة يقدمون المهاجرين على الأنصار لأن المهاجرين جمعوا بين الهجرة والنصرة، والأنصار أتوا بالنصر فقط. - فالمهاجرون تركوا أهلهم وأموالهم، وتركوا أو طانهم، وخرجوا إلي أرض هم فيها غرباء، كل ذلك هجرة إلي الله ورسوله، ونصرة لله ورسوله. - والأنصار أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم في بلادهم، ونصروا صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أنهم منعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم. ودليل تقديم المهاجرين: قوله تعالي: (1) * أهل بدر مرتبتهم أعلى من مراتب الصحابة. · وبدر مكان معروف، كانت فيه الغزوة المشهورة، وكانت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ، وسمي الله تعالي يومها يوم الفرقان. · وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أن أبا سفيان قدم بعير من الشام إلي مكة، فندب أصحابه من أجل هذه العير فقط، فانتدب منهم ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً، معهم سبعون بعيراً وفرسان وخرجوا من المدينة لا يريدون قتالاً، لكن الله عز وجل بحكمته جمع بينهم وبين عدوهم. · فلما سمع أبو سفيان بذلك، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام خرج إليه لتلقي العير، أخذ بساحل البحر، وأرسل صارخاً إلي أهل مكة يستنجدهم ، فانتدب أهل مكة لذلك، وخرجوا بأشراف همه وكبرائهم وزعمائهم، خرجوا على الوصف الذي ذكر الله عز وجل: · وفي أثناء ذلك جاءهم الخبر أن أبا سفيان نجا باعير، فتأمروا بينهم في الرجوع، لكن أبا جهل قال: والله، لا نرجع حتي نقدم بدراً، فنقيم فيها ننحر الجزور، ونسقي الخمور، وتضرب علينا القيان، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبداً. · وهذا الكلام يدل على الفخر والخيلاء والاعتزاز بالنفس، ولكن ولله الحمد كان الأمر علي عكس ما يقول، سمعت العرب بهزيمتهم النكراء فهانوا في نفوس العرب. قدموا بدراً، والتقت الطائفتان، وأوحى الله تعالى إلى الملائكة: حصل اللقاء بين الطائفتين، وكانت الهزيمة- ولله الحمد - على المشركين، والنصر المبين للمؤمنين، انتصروا، وأسروا منهم سبعن رجلاً، وقتلوا سبعين رجلاً، منهم أربعة وعشرون رجلاً من كبرائهم وصناديدهم ، سحبوا، فألقوا في قليب من قلب بدر خبيثة قبيحة. · ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أنتهاء الحرب بثلاثة أيام ركب ناقته، ووقف عليهم يدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: · فأهل بدر الذين جعل الله علي أيدهم هذا النصر المبين والفرقان الذي هاب العرب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكان لهم منزلة عظيمة بعد هذا النصر، اطل الله عليهم، وقال: · وفي هذا الحديث دليل على أن ما يقع منهم من الكبائر مهما عظم، فهو مغفور لهم. - إما أنهم لا يمكن أن يكفروا بعد ذلك. - وإما أنهم إن قدر أن أحدهم كفر، فسيوفق للتوبة والرجوع وإلي الإسلام. وإيا كان، ففيه بشارة عظيمة لهم، ولم نعلم أن أحداً منهم كفر بعد ذلك. (1) * أصحاب الشجرة هم أصحاب بيعة الرضوان (8) · وسبب هذه البيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلي مكة يريد العمرة، ومعه أصحابه والهدي، وكانوا نحو ألف وأربع مئة رجل، لا يريدون إلا العمرة، فلما بلغوا الحديبية، وهي مكان قرب مكة، في طريق جدة الآن، بعضها من الحل وبعضها من الحرم، وعلم بذلك المشركون ، منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم يزعمون أنهم أهل البيت وحماة البيت، · وأري الله تعالي من آياته في هذه الغزوة ما يدل على أن الأولي تنازل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما يترتب على ذلك من الخير والمصلحة، فإن ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام بركت وأبت أن تسير، حتي قالوا: " خلأت القصواء" ، يعني: حرنت وأبت المسير. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مدافعاً عنها: وجري التفاوض، وأسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، لأن له رهطاً بمكة يحمونه، أرسله إلي أهل مكة، يدعوهم إلي الإسلام، ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاء معتمراً للبيت، فشاع الخبر بأن عثمان قد قتل، وكبر ذلك على المسلمين، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلي البيعة، يبايع أصحابه على أن يقاتلوا أهل مكة الذين قتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الرسل لا تقتل، فبايع الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا ولا يفروا إلي الموت. وكان النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يبايع الناس، يمد يده فيبايعونه على هذا البيعة المباركة التي قال الله عنها: ثم تبين أن عثمان لم يقتل، وصارت الرسل تأتي وتروح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش، حتي انتهي الأمر على الصلح الذي صار فتحاً مبيناً للرسول عليه الصلاة والسلام. · هؤلاء الذين بايعوا قال الله عنهم: · وكان من جملة المبايعين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. فوصفهم الله تعالي بالإيمان، وهذه شهادة من الله عز وجل بأن كل من بايع تحت الشجرة، فهو مؤمن مرضي عنه، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: · وقوله النبي صلى الله عليه وسلم: فالجمع من أحد وجهين: الأول: أن يقال: إن المفسرين اختلفوا في المراد بالورود، فقال بعضهم: هو المرور على الصراط، لأن هذا نوع ورود بلا شك، كما في قوله تعالي: والوجه الثاني: أن من المفسرين من يقول: المراد بالورود الدخول، وأنه ما من إنسان إلا ويدخل النار، وبناء على هذا القول، فيحمل قوله: · وقوله: " الشجرة ": الشجرة هذه شجرة سدر، وقيل: شجرة سمر، ولا طائل تحت هذا الخلاف، كانت ذات ظل، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم تحتها يبايع الناس، وكانت موجودة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر رضي الله عنه وأول خلافه عمر، فلما قيل له: إن الناس يختلفون إليها - أي: يأتونها - يصلون عندها، أمر رضي الله عنه بقطعها، فقطعت. قال في " الفتح " (10) وهذا لا ينافي ما ذكره ابن حجر عن ابن سعد، لأن نسيانها لا يستلزم عدمها ولا عدم تذكرها بعد والله أعلم. وهذه من حسنات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لأننا نظن أن هذه الشجرة لو كانت باقية إلي الآن، لعبدت من دون الله. (1) أي أهل السنة والجماعة. · والشهادة بالجنة نوعان: شهادة معلقة بوصف، وشهادة معلقة بالشخص. - أما المعلقة بالوصف، فأن نشهد لكل مؤمن أنه في الجنة، وكل متق أنه في الجنة، بدون تعيين شخص أو أشخاص. وهذه شهادة عامة، يجب علينا أن نشهد بها، لأن الله تعالي أخبر به، فقال تعالى: - وأما الشهادة المعلقة بشخص معين، فأن نشهد لفلان أو لعدد معين أنهم في الجنة. وهذه شهادة خاصة، فنشهد لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم ، سواء شهد لشخص معين واحد أو لأشخاص معينين. (1) * مثال ذلك ما ذكره المؤلف بقوله: " كالعشرة "، يعني بهم: العشرة المبشرين بالجنة، لقبوا بهذا الاسم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في حديث واحد وهم: الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسعيد بن زيد، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة ابن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة عامر ابن الجراح، وانظر تراجمهم في المطولات. وقد جمع الستة الزائدة عن الخلفاء الأربعة في بيت واحد، فاحفظه: هؤلاء بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم في نسق واحد، فقال: (2) ثابت بن قيس رضي الله عنه أحد خطباء النبي صلى الله عليه وسلم ، كان جهوري الصوت، فلما نزل قوله تعالي: وغيرهم من الصحابة (1) ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر(2)............. (1) مثل أمهات المؤمنين، لأنهن في درجة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنهم بلال، وعبد الله بن سلام، وعكاشة بن محصن، وسعد بن معاذ، رضي الله عنهم. (2) * التواتر: خبر يفيد العلم اليقيني، وهو الذي نقله طائفة لا يمكن تواطؤهم على الكذب. · ففي " صحيح البخاري " (14) · وفي " صحيح البخاري" (15) فإذا كان على رضي الله عنه يقول وهو في زمن خلافته: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فقد اندحضت حجة الرافضة الذين فضلوه عليهما. · قوله: " وغيره "، يعني: غير علي من الصحابة والتابعين. · وهذا متفق عليه بين الأئمة. - وقال الإمام مالك: ما رأيت أحداً يشك في تقديمهما. - وقال الشافعي: لم يختلف الصحابة والتابعون في تقديم أبي بكر وعمر. ومن خرج عن هذا الإجماع، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين. ويثلثون بعثمان (1) ويربعون بعلي (2) رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة(3) ............ (1) * " يثلثون " ، يعني: أهل السنة، يجعلون عثمان هو الثالث. (2) * " ويربعون " بعلي " أي: يجعلون علياً هو الرابع. · وعلي هذا، فأفضل هذه الأمة هؤلاء الأربعة: أبو بكر ، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. (3) * استدل المؤلف لهذا الترتيب بدليلين: الأول: قوله: " كما دلت عليه الآثار " : وقد سبق ذكر شيء منها. والثاني: قوله: " وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة " : فصار في تقديم عثمان على علي رضي الله عنهما آثار نقلية، وفيه أيضاً دليل عقلي، وهو إجماع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، فإن إجماعهم على ذلك يستلزم أن عثمان أفضل من علي، وهو كذلك، لأن حكمة الله عز وجل تأبي أن يولي على خير القرون رجلاً وفيه من هو أفضل منه، كما جاء في الأثر: " كما تكونون يولي عليكم، فخير القرون لا يولي الله عليهم إلا من هو خيرهم. مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل؟ فقدم قوم عثمان وسكتوا أو ربعوا بعلي (1)، وقدم قوماً علياً (2)، وقوم توقفوا (3). (1) فيقولون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ويسكتون، أو يقولون: ثم علي. (2) فقالوا: أبو بكر، ثم عمر، ثم علي، ثم عثمان. وهذا رأي من آراء أهل السنة. (3) فقالوا: أبو بكر، ثم عمر. وتوقفوا أيهما أفضل: عثمان أو علي؟ وهذا غير الرأي الأول. · فالآراء أربعة: - الرأي المشهور: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. - الرأي الثاني: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم السكوت. - الرأي الثالث: أبو بكر، ثم عمر، ثم علي، ثم عثمان. - الرأي الرابع: أبو بكر، ثم عمر، ثم نتوقف أيهما أفضل: عثمان أو على، فهم يقولون: لا نقول: عثمان أفضل، ولا علي أفضل، لكن لا نري أحداً يتقدم على عثمان وعلي في الفضيلة بعد أبي بكر وعمر. لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان (1) وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة (2) ولكن المسألة التي يضلل فيها مسألة الخلافة(3) وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم على (4) ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله(5)................... (1) هذا الذي استقر عليه أمر أهل السنة، فقالوا: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، علي ترتيبهم في الخلافة. وهو الصواب، كما سبق دليله. (2) * يعني: المفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما ليست من أصول أهل السنة التي يضلل فيها المخالف، فمن قال: إن علياً أفضل من عثمان، فلا نقول: إنه ضال، بل نقول: هذا رأي من آراء أهل السنة، ولا نقول فيه شيئاً. (3) * فيجب أن نقول: الخليفة بعد نبينا في أمته أبو بكر، ثم عمر ثم عثمان، ثم علي . ومن قال إن الخلافة لعلي دون هؤلاء الثلاثة، فهو ضال، ومن قال: إنها لعلي بعد أبي بكر وعمر، فهو ضال، لأنه مخالف لإجماع الصحابة رضي الله عنهم. (4) وهذا ما أجمع عليه أهل السنة في مسألة الخلافة. (5) * الذي يطعن في خلافة أحد من هؤلاء، ويقول: إنه لا يستحق الخلافة! أو: إنه ممن سبقه ! فهو أضل من حمار أهله. وعبر المؤلف بهذا التعبير، لأنه تعبير الإمام أحمد رحمه الله، ولا شك أنه أضل من حمار أهله، وإنما ذكر الحمار، لأنه أبلد الحيوانات على الإطلاق، فهو أقل الحيوانات فهماً، فالطعن في خلافة أحد من هؤلاء أو في ترتيبه طعن الصحابة جميعاً. · فيجب علينا أن نعتقد بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وأنهم في أحقية الخلافة على هذا الترتيب، حتي لا نقول: إن هناك ظلماً في الخلافة، كما ادعته الرافضة حين زعموا أن أبا بكر وعمر وعثمان والصحابة كلهم ظلمة، لأنهم ظلموا على بن أبي طالب، حيث اغتصبوا الخلافة منه. · أما من بعدهم، فإننا لا نستطيع أن نقول: إن كل خليفة استخلفه الله على الناس، فهو أحق بالخلافة من غيره ، لأن من بعدهم ليسوا في خير القرون، بل حصل فيهم من الظلم والانحراف والفسوق ما استحقوا به أن يولي عليهم من ليس أحق بالخلافة منهم، كما قال الله تعالى: · واعلم أن الترتيب في الأفضلية على ما سبق لا يعني أن من فضل غيره، فإنه يفضله في كل شىء، بل قد يكون للمفضول فضيلة لم يشاركه فيها أحد، وتميز أحد هؤلاء الأربعة أو غيرهم بميزة يفضل بها غيره لا يدل على الأفضلية المطلقة، فيجب التفريق بين الإطلاق والتقييد.
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .................................. (1)* أي: ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحبون لأمرين: للإيمان، وللقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يكرهونهم أبداً. ولكن لا يقولون كما قال الرافضة: كل من أحب أبا بكر وعمر، فقد أبغض علياً، وعلى هذا فلا يمكن أن تحب علياً حتي نبغض أبا بكر وعمر، وكأ، أبا بكر وعمر أعداء لعلي بن أبي طالب مع أنه تواتر النقل عن علي رضي الله عنه أنه كان يثني عليها على المنبر. فنحن نقول: إننا نشهد الله على محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته، نحبهم لمحبة الله ورسوله. - ومن أهل بيت أزواجه بنص القرآن، قال الله تعالى: - وكذلك يدخل فيه قرابته، فاطمة وعلي والحسن والحسين وغيرهم كالعباس بن عبد المطلب وأبنائه. - فنحن نحيبهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يمانهم بالله. فإن كفروا ، فإننا لا نحبهم، ولو كانوا من أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام، فأبو لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن نحبه بأي حال من الأحوال، بل يجب أن نكرهه لكفره ولإيذائه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أبو طالب، يجب علينا أن نكرهه لكفره، لكن نحب أفعاله التي أسداها إلي الرسول عليه الصلاة والسلام من الحماية والذب عنه.
ويتولونهم (1) ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) حيث قال يوم غديرخم : (1) أي: يجعلونهم من أوليائهم، والولي: يطلق على عدة معان، يطلق على الصديق، والقريب، والمتولي للأمر، وغير ذلك من الموالاة والنصرة، وهنا يشمل النصرة والصداقة والمحبة. (2) أي: عهده الذي عهد به إلي أمته. (3) هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وهذا الغدير ينسب إلي رجل يسمي ( خم )، وهو في الطريق الذي بين مكة والمدينة، قريب من الجحفة، نزل الرسول عليه الصلاة والسلام فيه منزلاً في رجوعه من حجة الوداع، وخطب الناس، وقال:
وقال أيضاً (1) للعباس عمه وقد اشتكي إليه أن بعض قريش يجفو (2) بني هاشم (3) فقال: ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتي يحبوكم لله ولقرابتي ) (4)...................... (1) * " أيضاً ": مصدر آض يئيض، أي: رجع، وهو مصدر لفعل محذوف، والمعني: عوداً على ما سبق. (2) " يجفو " يترفع ويكره. (3) * " هاشم " : هو جد أبي الرسول صلى الله عليه وسلم . (4) أقسم صلى الله عليه وسلم أنهم يؤمنون، أي : لا يتم إيمانهم، حتي يحبوكم لله، وهذا المحبة يشاركهم فيها غيرهم من المؤمنين، لأن الواجب على كل إنسان أن يحب كل مؤمن لله، لكن قال: " ولقرابتي " : فهذا حب زائد على المحبة لله، ويختص به آل البيت قرابة النبي عليه الصلاة والسلام. · وفي قول العباس: " إن بعض قريش يجفو بني هاشم " : دليل على أن جفاء آل البيت كان موجوداً منذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن الحسد من طبائع البشر، إلا من عصمه الله عز وجل، فكانوا يحسدون آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام على مأمن الله عليهم من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيجفونهم ولا يقومون بحقهم. · فعقيدة أهل السنة والجماعة بالنسبة لأل البيت: أنهم يحبونهم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية لرسول صلى الله عليه وسلم في التذكير بهم، ولا ينزلونهم فوق منزلتهم، بل يتبرؤون ممن يغلو فيهم، حتي يوصلوهم إلي حد الألوهية، كما فعل عبد الله بن أبي طالب حين قال له: آنت الله ! والقصة مشهورة.
وقال صلى الله عليه وسلم :
(1)* " إسماعيل ": هو ابن إبراهيم الخليل، وهو الذي أمر الله إبراهيم بذبحه، وقصة في سورة الصافات. (2)* " كنانة " : هو الأب الرابع عشر الرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أله وسلم. (3)* " قريش " : هو الأب الحادي عشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو فهر بن مالك، وقيل : الأب الثالث عشر، وهو النضر بن كنانة. (4) * " هاشم " هو الأب الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (5) قوله: " أمهات المؤمنين " : هذه صفة لـ " أزواج " فأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات لنا في الإكرام والاحترام والصلة، قال تعالي : وهذا دليل على أن بني هاشم مصطفون عند الله مختارون من خلقه. لأحاديث وردت في ذلك، ولقوله تعالى: (1) " خصوصاً " : مصدر محذوف العامل، أي: أخص خصوصاً. (2) * " خديجة بنت خويلد" : تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم أول ما تزوج، وكان عمره حينذاك خمساً وعشرين سنة، وعمرها أربعين سنة، وكانت امرأة عاقلة، وانتفع بها صلى الله عليه وسلم انتفاعاً كثيراً، لأنها امرأة ذات عقل وذكاء، ولم يتزوج عليها أحداً. · فكانت كما قال المؤلف: " أم أكثر أولاده ": البنين والبنات ، ولم يقل المؤلف: أم أولاده، لأن من أولاده من ليس منها، وهو إبراهيم، فإنه كان من مارية القبطية. · وأولاده الذين من خديجة هم ابنان وأربع بنات: القاسم، ثم عبد الله، ويقال له: الطيب، والطاهر. وأما البنات، فهن: زينب، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية. وأكبر أولاده القاسم، وأكبر بناته زينب. (3) لا شك أنها أول من آمن به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءها وأخبرها بما رأى في غار حراء، قالت: ولهذا نقول: أول من آمن به من النساء خديجة، ومن الرجال ورقة بن نوفل.
وعاضده علي أمره (1) وكان لها منه المنزلة العالية (2) والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها(3) التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : (1) أي: ساعده، ومن تدبر السيرة، وجد لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها من معاضدة النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يحصل لغيرها من نسائه. (2) قوله: " وكان لها منه المنزلة العالية" : حتي إنه كان يذكرها بعد موتها صلوات الله وسلامه عليه، ويرسل بالشيء إلي صديقاتها، ويقول: (3) أما كونها صديقة، فلكمال تصديقها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكمال صدقها في معاملته، وصبرها على ما حصل من الأذي في قصة الإفك، ويدلك على صدقها وصدق إيمانها بالله أنه لما نزلت براءتها، قال: إني لا أحمد غير الله. وهذا يدل على كمال إيمانها وصدقها. وأما كونها بنت الصديق، فكذلك أيضاً، فإن أباها رضي الله عنه هو الصديق في هذه الأمة، بل صديق الأمم كلها، لأن هذه الأمة أفضل الأمم، فإذا كان صديق هذه الأمة، فهو صديق غيرها من الأمم. (4) قوله: " على النساء ": ظاهره العموم، أي: على جميع النساء. وقيل: إن المراد: فضل عائشة على النساء، أي من أزواجه اللاتي على قيد الحياة، فلا تدخل في ذلك خديجة. لكن ظاهر الحديث العموم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر أفضل النساء مطلقاً. ولكن ليست أفضل من فاطمة باعتبار النسب، لأن فاطمة بلا شك أشرف من عائشة نسباً. وأما منزلة، فإن عائشة رضي الله عنها لها من الفضائل العظيمة ما لم يدركه أحد غيرها من النساء. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هاتين الزوجين رضي الله عنهما في منزلة واحدة، لأنه قال: " خصوصاً خديجة ... والصديقة " ، ولم يقل : ثم الصديقة. والعلماء اختلفوا في هذه المسألة: فقال بعض العلماء: خديجة أفضل، لأن لها مزايا لم تلحقها عائشة فيها. وقال بعض العلماء: بل عائشة أفضل، لهذا الحديث، ولأن لها مزايا لم تلحقها خديجة فيها. وفصل بعض أهل العلم، فقال: إن لكل منهما مزية لم تلحقها الأخري فيها، ففي أول الرسالة لا شك أن المزايا التي حصلت عليها خديجة لم تلحقها فيها عائشة، ولا يمكن أن تساويها، وبعد ذلك، وبعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم حصل من عائشة من نشر العلم ونشر السنة وهداية الأمة مالم يحصل لخديجة، فلا يصح أن تفضل إحداهما على الأخري تفضيلاً مطلقاً، بل نقول: هذه أفضل من وجه، وهذه أفضل من وجه، ونكون قد سلكنا مسلك العدل، فلم نهدر ما لهذه من المزية، ولا ما لهذه من المزية، وعند التفصيل يحصل التحصيل. وهما وبقية أزواج الرسول في الجنة معاً.
ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهمم(1).............. (1) الروافض: طائفة غلاوة في علي بن أبي طالب وآل البيت، وهم من أضل أهل البدع، وأشدهم كرهاً للصحابة رضي الله عنهم، ومن أراد معرفة ما هم عليه من الضلال، فليقرأ في كتبهم وفي كتب من رد عليهم. وسموا روافض لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عندما سألوه عن أبي بكر وعمر، فأثني عليهما وقال: هما وزيرا جدي. أما النواصب، فهم الذين ينصبون العداء لأل البيت، ويقدحون فيهم، ويسبونهم، فهم على النقيض من الروافض. فالروافض اعتدوا على الصحابة بالقلوب والألسن. - ففي القلوب يبغضون الصحابة ويكرهونهم، إلا من جعلوهم وسيلة لنيل مآربهم وغلوا فيهم، وهم آل البيت. - وفي الألسن يسبونهم فيلعنونهم ويقولون : إنهم ظلمة ويقولون : إنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً، إلي غير ذلك من الأشياء المعروفة في كتبهم. وفي الحقيقة إن سب الصحابة رضي الله عنهم ليس جرحاً في الصحابة رضي اله عنهم فقط بل هو قدح في الصحابة وفي النبي صلى الله عليه وسلم وفي شريعة الله وفي ذات الله عز وجل: _ أما كونه قدحاً في الصحابة، فواضح. - وأما كونه قدحاً في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحيث كان أصحابه وأمناؤه وخلفاؤه على أمته من شرار الخلق، وفيه قدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، وهو تكذيبه فيما أخبر به من فضائلهم ومناقبهم. - وأما كونه قدحاً في شريعة الله، فلأن الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة هم الصحابة، فإذا سقطت عدالتهم، لم يبق ثقة فيما نقلوه من الشريعة. - وأما كونه قدحاً في الله سبحانه، فحيث بعث نبيه صلى الله عليه وسلم في شرار الخلق، واختارهم لصحبته وحمل شريعته ونقلها لأمتهه. - فانظر ماذا يترتب من الطوام الكبري على سب الصحابة رضي الله عنهم. - ونحن نتبرأ من طريقة هؤلاء الروافض الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم، ونعتقد أن محبتهم فرض، وأن الكف عن مساوئهم فرض، وقلوبنا ولله الحمد مملؤة من محبتهم، لما كانوا عليه من الإيمان والتقوي ونشر العلم ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل (1) ......... (1) يعني: يتبرأ أهل السنة والجماعة من طريقة النواصب. وهؤلاء على عكس الروافض، الذين يغلون في آل البيت حتي يخرجوهم عن طور البشرية إلي طور العصمة والولاية.
ويمسكون عما شجر بين الصحابة (1) .......................................... أما النواصب، فقابلوا البدعة، فلما رأوا الرافضة يغلون في آل البيت، قالوا: إذا، نبغض آل البيت ونسبهم، مقابلة لهؤلاء في الغلو في محبتهم والثناء عليهم، ودائماً يكون الوسط هو خير الأمور، ومقابلة البدعة ببدعة لا تزيد البدعة إلا قوة. (1) يعني: عما وقع بينهم من النزاع. · فالصحابة رضي الله عنهم وقعت بينهم بعد مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نزاعات، واشتد الأمر بعد مقتل عثمان، فوقع بينهم ما وقع، مما أدي إلي القتال. وهذه القضايا مشهورة، وقد وقعت بلا شك عن تأويل واجتهاد كل منهم يظن أنه على حق، ولا يمكن أن نقول: إن عائشة والزبير بن العوام قاتلا علياً رضي الله عنهم أجمعين وهم يعتقدون أنهم على باطل، وأن عليا على حق. واعتقادهم أنهم على حق لا يستلزم أن يكونوا قد أصابوا الحق. ولكن إذا كانوا مخطئين، ونحن نعلم أنهم لن يقدموا على هذا الأمر إلا عن اجتهاد، فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: · فهذا الذي حصل موقفنا نحن منه له جهتان: الجهة الأولي: الحكم على الفاعل. والجهة الثانية: موقفنا من الفاعل. _ أما الحكم على الفاعل، فقد سبق، وأن ما ندين الله به أن ما جري بينهم، فهو صادر عن اجتهاد، والاجتهاد إذا وقع فيه الخطأ، فصاحبه معذور مغفور له. - وأما موقفنا من الفاعل، فالواجب علينا الإمساك عما شجر بينهم لماذا نتخذ من فعل هؤلاء مجالاً للسب والشتم والوقيعة فيهم والبغضاء بيننا، ونحن في فعلنا هذا إما آثمون وإما سالمون ولسنا غانمين أبدا. · فالواجب علينا تجاه هذه الأمور أن نسكت عما جري بين الصحابة وأن لا نطالع الأخبار أو التأريخ في هذه الأمور، إلا المراجعة للضرورة. (1) قسم المؤلف الآثار المروية في مساويهم ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما هو كذب محض لم يقع منهم، وهذا يوجد كثيراً فيما يرويه النواصب في آل البيت وما يرويه الروافض في غير آل البيت. القسم الثاني: شيء له أصل، ولكن زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. وهذان القسمان كلاهما يجب رده. القسم الثالث: ما هو صحيح، فماذا نقول فيه؟ بينه المؤلف بقوله: · " والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون " . · والمجتهد إن أصاب، فله أجران، وإن أخطأ،فله أجر واحد، لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم : · فما جري بين معاوية وعلى رضي الله عنهما صادر عن اجتهاد وتأويل. لكن لا شك أن عليا أقرب إلي الصواب فيه من معاوية، بل قد نكاد نجزم بصوابه، إلا إن معاوية كان مجتهداً. · ويدل على أن عليا أقرب إلي الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره(1) .... (1) وهناك قسم رابع: وهو ما وقع منهم من سيئات حصلت لا عن اجتهاد ولا عن تأويل: فبينه المؤلف بقوله: · " وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره. · لا يعتقدون ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم : ولكن الواحد منهم قد يفعل شيئاً من الكبائر، كما حصل من مسطح بن أثاثه وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش في قصة الإفك (24)
بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة (1) ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر (2) ...................................................... (1) يعني: كغيرهم من البشر، لكن يمتازون عن غيرهم بما قال المؤلف رحمه الله: " ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر". (2) هذا من الأسباب التي يمحو الله بها عنهم ما فعلوه من الصغائر أو الكبائر، وهو ما لهم من السوابق والفضائل التي لم يلحقهم فيها أحد، فهم نصروا النبي عليه الصلاة والسلام، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وبذلوا رقابهم لإعلاء كلمة الله، فهذه توجب مغفرة ما صدر منهم، ولو كان من أعظم الذنوب، إذا لم يصل إلي الكفر. · ومن ذلك قصة حاطب بن أبي بلتعة حين أرسل إلي قريش يخبرهم عن مسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، حتي أطلع الله نبيه على ذلك، فلم يصلهم الخبر، فاستأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب عنق حطب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
حتى أنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به، كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم (1)، ثم إن كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه (2)، أو أتي بحسنات تمحوه (3) . أو غفر له بفضل سابقته(4).............................................. (1) وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (2) يعني: وإذا تاب منه، ارتفع عنه وباله ومعرته، لقوله تعالي: (3) لقوله تعالى : (4) لقوله تعالى في الحديث القدسي في أهل بدر: أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته (1) أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه (2) فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا، فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور(3). ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم (4)... (1) وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أمته، والصحابة رضي الله عنهم أحق الناس في ذلك. (2) فإن البلاء في الدنيا يكفر الله به السيئات، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (3) سبق دليله، فتكون هذه من باب أولي آلا تكون سبباً للقدح فيهم والعيب. · فهذه الأسباب التي ذكرها المؤلف ترفع القدح في الصحابة، وهي قسمان: الأول: خاص بهم، وهو مالهم من السوابق والفضائل. والثاني: عام، وهى التوبة، والحسنات الماحية، وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، والبلاء. (4) القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل جداً نزر أقل القليل، ولهذا قال: " مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم " . · ولا شك أنه حصل من بعضهم سرقة وشرب خمر وقذف وزني بإحصان وزني بغير إحصان، لكن كل هذه الأشياء تكون مغمورة في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، وبعضها أقيم فيه الحدود، فيكون كفارة.
من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح(1) ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من الله عليهم به من الفضائل، علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء(2) ............................... (1) فكل هذه مناقب وفضائل معلومة مشهورة، تغمر كل ما جاء من مساوئ القوم المحققة، فكيف بالمساوئ غير المحققة أو التي كانوا فيها مجتهدين متأولين. (2) هذا بالإضافة إلي ما ثبت عن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم من قوله: وعلي هذا تثبت خيرتهم على غيرهم من أتباع الأنبياء بالنص والنظر في أجوالهم. فإذا نظرت بعلم وبصيرة وإنصاف في محاسن القوم وما أعطاهم الله من الفضائل، علمت يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، فهم خير من الحواريين أصحاب عيسي، خير من النقباء أصحاب موسي، وخير من الذين آمنوا من نوح ومع هود وغيرهم، لا يوجد أحد في أتباع الأنبياء أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، والأمر في هذا ظاهر معلوم، لقوله تعالي: هذا عند أهل السنة والجماعة ، أما عند الرافضة، فهم شر الخلق ، إلا من استثنوا منهم. (1) أي: ما وجد ولا يوجد مثلهم ، لقوله عليه الصلاة والسلام: " خير الناس قرني " فلا يوجد على الإطلاق مثلهم رضي الله عنهم لا سابقاً ولا لاحقاً. (2) أما كون هذه الأمة خير الأمم، فلقوله تعالى: وأما كون الصحابة صفوة قرون الأمة، فلقوله صلى الله عليه وسلم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والاعتبار بالقرون الثلاثة بجمهور أهل القرن، وهم وسطه، وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتي إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك وجمهور تابعي التابعين في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية" أ هـ. وكان أخر الصحابة موتاً أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي سنة مئة من الهجرة، وقيل: مئة وعشر. قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (31)
|